لطالما كان تحسين محركات البحث (SEO) نشاطًا تابعًا يتم تطبيقه بعد بناء الموقع، حيث يطلب من المحترفين "تحسين الأداء" بينما لم يكن لهم دور أساسي في عملية البناء نفسها.
المفارقة
أن متخصصي تحسين محركات البحث غالبًا ما يُكلفون بتحقيق مؤشرات أداء
رئيسية (KPIs) تتعلق بالتفاعل والرؤية والإيرادات، دون أن يكون لديهم تحكم
فعلي في العوامل المؤثرة، مثل فرق المحتوى والتطوير والهندسة والعلامة
التجارية، التي لا تعمل دائمًا بنفس الرؤية.
هذا الأسلوب كان مقبولًا في بدايات الإنترنت، عندما كانت محركات البحث تسامح في التقييم، والمواقع بسيطة نسبيًا. كان دورنا يتلخص في إصلاح مشاكل الزحف، وتعديل الوسوم، وتحسين العناوين والروابط الداخلية.
لكنني طالما دعوت إلى دمج تحسين محركات البحث ضمن سير العمل الأصلي بدلاً من ترقيعه لاحقًا، من خلال التعليم، وتحسين نظم إدارة المحتوى (CMS)، وتغيير الثقافة المؤسسية، لتصبح أساسيات السيو جزءًا من الممارسة اليومية.
للأسف، ما زال ينظر إليه كعنصر ثانوي مقارنة بتصميم الواجهة أو إنتاج المحتوى. وكان من الأسهل دائمًا تعيين فريق سيو "للتنظيف" بدلاً من دمج المعايير الصحيحة منذ البداية.
ومع التحول السريع الذي يشهده مجال البحث، أصبح هذا الدور التقليدي غير كافٍ. في بيئة تعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي، لم يعد من المنطقي إصلاح ما تم بناؤه. بل يجب أن نكون نحن من يضع المعايير من البداية.
البحث يتغير… ويجب أن نتغير معه
محركات البحث الحديثة لم تعد تكتفي بفهرسة المواقع، بل باتت تُولّد إجابات فورية، وتُركب المحتوى في الوقت الحقيقي، وتُظهر نتائج دون الحاجة للنقر، مثل المقتطفات والردود الصوتية ومعاينات الذكاء الاصطناعي.
لا تزال الأساسيات مثل الفهرسة والروابط الخلفية وجودة المحتوى مهمة، لكن بحد ذاتها لم تعد كافية.
الظهور الآن يعتمد على المفاهيم الدلالية، وسهولة القراءة الآلية، والتكامل مع الأنظمة المتعددة. لم يعد السيو متعلقًا بصفحة واحدة، بل بهندسة النظام ككل.
وهنا، نتحول من دور "مفتش البناء" إلى ما يشبه هيئة تكليف العمارة الرقمية (CxA).
ما المقصود بهيئة التكليف CxA؟
في عالم الإنشاءات، تلعب هيئة التكليف دورًا بالغ الأهمية؛ فهي تضمن أن جميع الأنظمة، من التدفئة إلى الكهرباء والإضاءة والسلامة، تعمل بانسجام وكفاءة كما تم تصميمها.هي ليست جهة تفتيش فقط، بل تتحقق من الأداء، وتُشرف على التوثيق، وتُوجه العمليات. تعمل لصالح صاحب المشروع لضمان توافق التنفيذ مع الأهداف الأصلية.
وهذا بالضبط ما يجب أن يصبح عليه محترف السيو في بيئة الذكاء الاصطناعي: جهة تشغيل استراتيجية، لا مراجع تكتيكي.
لماذا يحتاج SEO إلى هيئة تشغيل؟
المواقع لم تعد كيانات مستقلة. إنها أنظمة مترابطة تشمل:
- أنظمة إدارة المحتوى
- التصميم والواجهة الأمامية
- البيانات المنظمة والمخططات
- التوطين والسرعة والأداء
من هنا، يتعين على متخصص السيو أن يشارك في مرحلة التصميم، لا أن ينتظر مرحلة ما بعد الإطلاق. يجب أن يضمن تضمين الإشارات الدلالية في كل جزء من الصفحة، لا فقط تحسين الأوصاف.
بل يجب أن يُختبر أداء الموقع في بيئات الذكاء الاصطناعي، وليس فقط في نتائج محركات البحث التقليدية (SERPs).
صعود "مهندس الملاءمة"
مفهوم "مهندس الملاءمة"، الذي صاغه مايك كينج من iPullRank، يصف دورًا متطورًا في عصر الذكاء الاصطناعي.
فبدلاً من تعديل الكلمات المفتاحية، يركز مهندس الصلة على ما يلي:
- هيكلة المحتوى ليُستخدم بشكل فعّال في نماذج الذكاء الاصطناعي
- تغطية نوايا المستخدم المتعددة (معلوماتية، شرائية، إلخ)
- استخدام ترميز ذكي ومخططات تدعم الفهم الدلالي
- تحسين الروابط الداخلية لتعزيز السلطة والربط الكياني
- دعم سرعة الفهم والتلخيص الآلي
هذا الدور يعكس التحول من مجرد تحسينات سطحية إلى بناء محتوى موجه للفهم الآلي والتحليل الذكي.
من التفتيش إلى التكليف: التحول في دور السيو
الركيزة | الدور القديم | الدور الجديد |
---|---|---|
قابلية الفهرسة | التحقق بعد البناء | تصميم بنية يسهل الوصول إليها |
التوافق | تصحيح الكلمات بعد الإطلاق | ربط المحتوى بنية الاستعلام |
الروابط | البحث عن الروابط الضعيفة | بناء سلطة المفهوم |
قابلية النقر | تعديل العناوين | تصميم المقتطفات والردود الصوتية |
تجربة المستخدم | الإبلاغ بعد الاختبار | دمج السرعة والتجربة في التصميم الأولي |
التكيف مع الجيل الجديد من البحث
مع تطور الذكاء الاصطناعي، يحتاج السيو إلى:
- فهم كيفية معالجة المحتوى بواسطة نماذج LLMs
- تنظيم المحتوى وهيكلته بطريقة قابلة للفهم الآلي
- دعم نماذج المعرفة بدلاً من التركيز على الكلمات المفتاحية فقط
- تعزيز التكامل بين الفرق المختلفة (محتوى، تطوير، تصميم)
الجيل الجديد من متخصصي السيو لن يكون مجرد "محسّنات"، بل سيكونون:
- مفكرين في الأنظمة
- استراتيجيين في الدلالة
- مهندسي أداء رقمي
- رواة قصص ومُدربين
- ومفاوضين فعّالين لتغيير البنية الرقمية من الداخل
التأثير الاستراتيجي الجديد للسيو
دور مهندس الصلة وهيئة التكليف لم يعد مجرد وظيفة، بل بات أداة استراتيجية تضاعف فعالية الفرق الأخرى، وتمكّنهم من تنفيذ مهامهم بأفضل صورة.
عبر دمج ممارسات الذكاء الاصطناعي ضمن سير العمل الأساسي، يمكن للسيو أن يصبح جزءًا من الهيكل وليس مجرد طلاء خارجي.
الفكرة الختامية
لطالما انشغلنا بتسميات المرحلة الجديدة: هل انتهى السيو؟ هل ما زال مفيدًا؟ ولكننا نسينا التحول الجذري في طريقة تفكير المؤسسات.
إن لم نبدأ بتغيير الأدوار والعمليات الآن، فسنجد أنفسنا نتساءل يومًا لماذا لم نحقق النمو، بينما كنا نستطيع كسب زيارات ضائعة.
لقد قضينا عقودًا نحاول تعديل ما أنشأه الآخرون. الآن، حان الوقت لنكون من يبني ويخطط. المؤسسات الناجحة ستكون تلك التي تضع السيو على طاولة التخطيط، وتُعامل محترفيه كمُهندسي صلة وهيئات تكليف حقيقية.
إن مستقبل تحسين محركات البحث لا يتعلق بالتصحيح، بل بالقيادة، وبالهندسة الاستباقية لنظام رقمي متكامل يخدم الهدف والرؤية.