في عصر الهجمات الإلكترونية المتكررة، أصبحت بياناتك، أموالك، وهويتك هدفًا ثمينًا للمخترقين. لذا من الضروري أن لا تمنحهم الفرصة.
غالبًا ما تكون معلوماتك الشخصية قد تم تسريبها بالفعل دون علمك. وإن لم يحدث ذلك بعد، فمن المحتمل جدًا أن تتعرض للاختراق مستقبلًا، فحوادث تسريب البيانات أصبحت شبه يومية.
في شهر مايو وحده، شهدنا ثلاث اختراقات كبيرة لبيانات شركات عملاقة خلال أسبوع واحد فقط، حيث تم تسريب بيانات مستخدمي Coinbase وSteam، إلى جانب حسابات خاصة بشركات تقنية كبرى مثل Google وMeta.
تقول تشيلسي بينز، الأستاذة في كلية جون جاي للعدالة الجنائية والمتخصصة في التحقيقات الاحتيالية:
"كثير من الناس يظنون أنهم في مأمن من الاختراق أو سرقة الهوية، لكن الواقع مختلف تمامًا".
فكما نحمي ممتلكاتنا الثمينة في خزنة محكمة، يجب أن نتعامل مع بياناتنا بنفس الحرص.
وتُضيف بينز:
"لن تترك ساعة رولكس على عتبة منزلك، ومع ذلك نجد من يختار كلمة مرور مثل 'password123' لحساباته البنكية!".
لا يمكنك منع الاختراق تمامًا، لكن يمكنك حماية نفسك
رغم أنك لا تستطيع إيقاف حدوث اختراقات البيانات، إلا أنه بإمكانك تقليل المخاطر عبر الاشتراك في خدمات الحماية من سرقة الهوية، أو على الأقل باتباع إجراءات أمان أساسية مثل استخدام كلمات مرور قوية، وتفعيل المصادقة الثنائية، وتثبيت برامج مكافحة الفيروسات، والامتناع عن نشر معلومات حساسة على وسائل التواصل الاجتماعي.
عدم القيام بهذه الخطوات يُشبه ترك باب منزلك الخلفي مفتوحًا للمجرمين، الذين ما إن يدخلوا، يمكنهم جعل حياتك أكثر تعقيدًا.
لكن، ما الذي يمكن أن يفعله مجرمو الإنترنت بمعلوماتك المسروقة؟
معلوماتك تُستخدم ضدك
أي معلومة يتم تسريبها عنك، سواء كانت من اختراق أو تسريب، قد تُستغل ضدك بطرق متعددة.
توضح بينز:
"السؤال ليس ماذا يمكنهم فعله، بل ما الذي لا يمكنهم فعله! فبمجرد أن ينتحلوا هويتك، يمكنهم القيام بكل ما تفعله أنت".
من أبرز الأمثلة فتح بطاقات ائتمانية باسمك، أو شراء عقارات أو سيارات، أو حتى استخدام تأمينك الصحي. وفي حال سيطر أحدهم على معلوماتك، يمكنه التصرف وكأنه أنت تمامًا.
والأسوأ أن الأضرار الناجمة عن ذلك قد لا تكون سهلة الإصلاح. فمثلًا، استخدام أحدهم لبطاقة ائتمان باسمك قد يؤدي إلى تدمير تقييمك الائتماني، وهو ما قد يستغرق سنوات لإصلاحه.
أحد أصدقائي، على سبيل المثال، تعرضت هويته للسرقة، وقام السارق بشراء سيارة باسمه. لاحقًا، طالبه البنك بسداد القرض بدلًا من السارق، واضطر إلى بذل مجهود كبير لإثبات براءته، بينما كان تقييمه الائتماني قد هبط إلى 300، واستغرق الأمر وقتًا طويلًا لاستعادته.
تضيف بينز أن الكثير من القراصنة لا يستخدمون البيانات المسروقة بأنفسهم، بل يبيعونها على الإنترنت المظلم لمن يدفع أكثر.
"بيع البيانات هو الأسهل والأكثر ربحًا"، تقول بينز، "والمشتري يمكنه بسهولة استخدامها لفتح حسابات مالية، أو الاستيلاء على أموالك، أو الإضرار بتصنيفك الائتماني".
كيف تحمي بياناتك وأمانك الرقمي؟
لست مطالبًا بأن تكون خبيرًا أمنيًا، لكن يمكنك البدء بخطوات بسيطة تُحدث فرقًا كبيرًا. يمكنك مثلًا التحدث مع عائلتك عن استخدام كلمات مرور سرية للتمييز بينك وبين محتال قد ينتحل هويتك.
فيما يلي مجموعة من الخطوات العملية لتحسين أمانك الشخصي:
استخدم كلمات مرور قوية وفريدة
لا تعتمد على كلمات مرور يمكن تخمينها بسهولة مثل "birthdate123". المجرمون يجمعون المعلومات من شبكات التواصل الاجتماعي ويحاولون استخدامها لاختراق حساباتك.
الحل الأفضل هو استخدام كلمات مرور طويلة ومعقدة، مكونة من أحرف كبيرة وصغيرة، أرقام، ورموز. يمكنك استخدام مدير كلمات مرور لتوليدها وحفظها بأمان.
جمّد تقاريرك الائتمانية
في حال لم تكن تخطط للحصول على قرض أو بطاقة ائتمان، فكر في تجميد تقاريرك الائتمانية. العملية مجانية وسهلة، وتمنع أي جهة من استخدام معلوماتك لفتح حسابات جديدة.
تقول بينز:
"يمكنك تجميد تقريرك الائتماني في أي وقت، وحتى تجميد تقرير طفلك لحمايته من السرقة".
قلّل من مشاركة معلوماتك على وسائل التواصل
يقول نيل أوفاريل، خبير الأمن السيبراني ومؤسس مجلس سرقة الهوية:
"لا تشارك معلوماتك الحساسة على فيسبوك أو إنستغرام، وابقَ حساباتك خاصة قدر الإمكان".
استخدم بيانات زائفة عند الحاجة، طالما لا تؤثر على الخدمة. وكمثال ساخر، يقول أوفاريل إن فيسبوك يظن أن عمره 119 عامًا لأنه وضع سنة الميلاد 1906!
انتبه أيضًا إلى ما تنشره عند السفر. قد يستغل المجرمون غيابك لتنفيذ عمليات احتيال تستهدف أقاربك.
توضح بينز:
"عندما تُعلن أنك في إجازة، فإنك تقدم للمحتالين فرصة ذهبية لتوجيه خدعهم ضد من يعرفك".
فكّر في الاشتراك في خدمة حماية الهوية
رغم أن الاشتراك ليس إلزاميًا، إلا أن هذه الخدمات قد توفر لك راحة البال. بعضها يقدم تغطية تأمينية تصل إلى مليون دولار، وخدمات استرجاع الهوية، بالإضافة إلى أدوات أمنية كإدارة كلمات المرور والحماية من الفيروسات.
يقول أوفاريل:
"الخدمات هذه لها قيود، لكنها تبقى مفيدة جدًا إن كنت تستطيع تحمّل تكلفتها. كما تُساعدك في تذكّر تحديث كلمات مرورك، ومراقبة رصيدك الائتماني، والبقاء على اطلاع بأحدث طرق الاحتيال".
في النهاية، حماية بياناتك الشخصية لم تعد رفاهية بل ضرورة. كل خطوة تتخذها اليوم تعني طبقة أمان إضافية تحميك أنت وعائلتك من التهديدات الرقمية المتزايدة. تذكّر أن مجرد تجاهلك لتلك الإجراءات البسيطة قد يُكلفك الكثير لاحقًا.