📁 آخر الأخبار

قضية احتكار جوجل: هل تغير مستقبل البحث والذكاء الاصطناعي؟

منذ تأسيس شبكة الويب العالمية، لم تكن جوجل جزءًا منها في البداية، لكنها سرعان ما أصبحت لاعبًا مهيمنًا أعاد تشكيل الإنترنت وفقًا لقواعدها. فعلى مدار العقدين الماضيين، أصبحت جوجل بوابة الوصول إلى العالم الرقمي، ولا يكاد موقع إلكتروني يتمتع بالظهور دون الخضوع لخوارزمياتها. لكن كل ذلك على وشك التغيير بعد أن واجهت الشركة أكبر تحدٍ قانوني في تاريخها: قضية احتكار كبرى رفعتها وزارة العدل الأمريكية.

قضية احتكار جوجل: هل تغير مستقبل البحث والذكاء الاصطناعي؟

القضية التي قد تغيّر الإنترنت

انتهت مؤخرًا المرافعات في قضية الاحتكار، ومن المتوقع أن يصدر الحكم في أغسطس المقبل. قد يؤدي هذا الحكم إلى فرض تغييرات جذرية على الطريقة التي تُشغّل بها جوجل خدمات البحث، مثل إلزامها بترخيص فهرس البحث وخوارزمياتها لمنافسين آخرين، فيما يُعرف باسم "حلول البيانات".

هذا السيناريو، بحسب الرئيس التنفيذي لجوجل، سوندار بيتشاي، يُمثل تهديدًا كبيرًا لمستقبل الشركة، حيث شبّه الأمر بإطلاق "بحث جوجل بالعلامة البيضاء"، وهو منتج قد تُستنسخ منه محركات بحث لا تملك البنية التحتية المعقدة نفسها، لكن تستفيد من قاعدة بيانات جوجل الثرية.

فهرس البحث: جوهر اللعبة

لفهم هذا النزاع، علينا أن ندرك الفرق بين فهرس البحث ونتائج البحث. فالفهرس هو قاعدة بيانات ضخمة تُسجل محتويات الويب القابلة للبحث، أما نتائج البحث فهي الطريقة التي تُعرض بها هذه البيانات استجابةً لاستعلامات المستخدم.

حاليًا، لا تمتلك الإنترنت سوى ثلاثة فهارس رئيسية: جوجل، بينج، وBrave. حتى محركات البحث الصغيرة أو أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT تعتمد على واحد من هذه الفهارس أو أكثر.

هل الجودة في الحجم؟

بلا شك، تُعد جوجل الشركة الرائدة في فهرسة أكبر عدد من الصفحات على الويب، بما في ذلك المواقع المهجورة، والمحتويات المزيفة، وحتى الصفحات التي أُعيدت صياغتها باستخدام الذكاء الاصطناعي. هذه الوفرة في البيانات جعلت من تجربة البحث عبر جوجل أكثر تعقيدًا، بل ومُحبطة أحيانًا للمستخدمين الذين يبحثون عن محتوى دقيق وأصيل.

لكن متصفح Brave يُعارض فكرة أن الحجم هو كل شيء. إذ يرى أن الإنترنت مليء "بالضوضاء"، وأن الفهرسة الذكية والمُركّزة تُعد أكثر فاعلية. نفس النهج تتبعه محركات مثل Kagi، التي تركّز على "الويب غير التجاري" وتُحاول استعادة روح الإنترنت في بداياته.

تغيير قواعد اللعبة

إذا أُجبرت جوجل على فتح فهرسها للمنافسين، فقد نشهد نهضة في محركات البحث. شركات مثل Kagi وBrave قد تستخدم فهرس جوجل لتقديم خدمات متخصصة، مثل محركات بحث لهواة التصوير، أو عشاق الحيوانات، أو للبحث المحلي في مدينة معينة.

هذا الانفتاح يمكن أن يُحفّز الإبداع ويُعزز المنافسة، وهو الهدف الأساسي لقانون مكافحة الاحتكار. كما قد يسمح للمستخدمين بالهروب من هيمنة جوجل على الإعلانات والتتبع وتحقيق نموذج بحث أكثر خصوصية واستقلالًا.

الوجه الآخر للانفتاح

لكن هذا الانفتاح ليس بدون مخاطر. إذا حصلت الشركات الكبرى على فهرس جوجل بتكلفة رمزية، فقد تعجز فهارس أخرى مثل Bing أو Brave عن المنافسة، مما يؤدي إلى مزيد من التمركز بدلًا من تفكيك الاحتكار. أيضًا، قد تستخدم شركات الذكاء الاصطناعي مثل OpenAI هذه البيانات لتغذية نماذجها اللغوية، مما يمنح جوجل تفوقًا خفيًا جديدًا.

برايان براون، المسؤول في Brave، حذّر من أن ذلك قد يؤدي إلى "صوت واحد للحقيقة" في الإنترنت، حيث تصبح جميع نماذج الذكاء الاصطناعي معتمدة على بيانات جوجل، وهو ما يُمثل تهديدًا لتنوع المعلومات وحرية الوصول.

البحث المدفوع مقابل البحث المجاني

في بيئة تعتمد على الإعلانات، يعتبر المستخدم "المنتج"، وليس المستهلك. تقدم معظم محركات البحث خدماتها مجانًا، مقابل جمع بياناتك أو عرض الإعلانات. لكن محركات مثل Kagi تتبنّى نموذجًا مختلفًا: البحث المدفوع، الذي يحمي خصوصيتك ولا يعرض إعلانات.

البحث المدفوع مقابل البحث المجاني

هذا النموذج لا يزال في مراحله الأولى، وقد يصعب إقناع المستخدمين بالدفع مقابل خدمة اعتادوا على أنها مجانية. ومع ذلك، يرى مؤسس Kagi أن تكلفة البحث بالإعلانات "مدفوعة" أيضًا: بوقتك، وبمعلوماتك الشخصية، وبجودة المحتوى الذي تتعرض له.

أين يقف الذكاء الاصطناعي؟

لا يمكن الحديث عن مستقبل البحث دون التطرق إلى الذكاء الاصطناعي. جوجل، ومايكروسوفت (من خلال Bing)، وشركات أصغر مثل Brave وDuckDuckGo، جميعها تُدمج الذكاء الاصطناعي في تجاربها البحثية. لكن بدرجات متفاوتة.

جوجل تقود هذا التحول من خلال "نظرات الذكاء الاصطناعي" AI Overviews، التي تُولّد إجابات بديلة للروابط الزرقاء التقليدية. وفي حين يرحب البعض بهذه الراحة، يرى آخرون أنها تقلل من تنوع المصادر وتزيد من خطر المعلومات المغلوطة.

محركات مثل Brave وKagi تُحاول تقديم بدائل متوازنة: إما من خلال تمكين المستخدم من إيقاف الذكاء الاصطناعي، أو توفير تجربة هجينة تجمع بين الدردشة والنتائج التقليدية.

هل تنقرض الروابط الزرقاء؟

من يديرون هذه المحركات لا يُنكرون الحقيقة: البحث يتغير. الروابط الزرقاء العشرة التي كانت سمة بارزة في نتائج البحث منذ بداية الألفية، قد تختفي تدريجيًا. سيتم استبدالها بنماذج محادثة تفاعلية، تشبه تلك التي نراها في أفلام الخيال العلمي.

لكن السؤال الجوهري ليس في الشكل، بل في الجوهر: هل نمتلك الوسائل التقنية والمعايير الأخلاقية الكافية للتعامل مع الذكاء الاصطناعي كمصدر للمعلومة؟ هل يُمكن الوثوق بآلة لفهم السياق، والتمييز بين الحقيقة والمعلومة المفبركة؟

الخلاصة: هل نُعيد تشكيل الإنترنت من جديد؟

تُشكّل قضية جوجل لحظة مفصلية في تاريخ الإنترنت. سواءً حكمت المحكمة لصالح وزارة العدل أو لصالح جوجل، فإن الطريقة التي نبحث بها عن المعلومات تتغير بسرعة كبيرة. نحن نتحول من مجرد النقر على الروابط، إلى حوارات مع روبوتات ذكية. من فهرسة يدوية بطيئة، إلى نماذج لغوية تفهم السياق.

لكن وسط هذا التغيير، يظل هدف البحث ثابتًا: الوصول إلى المعلومة. ويبقى التحدي الأكبر هو: كيف نضمن أن تكون هذه المعلومة دقيقة، محايدة، ومتاحة للجميع؟

في نهاية المطاف، ليس البحث هو ما يتغير، بل الوسائل التي نستخدمها للوصول إليه.

دليل التقنية
دليل التقنية
تعليقات