شبه عالم الحاسوب الأميركي مارك أندريسن الذكاء الاصطناعي بما يعرف في الأساطير القديمة بـ"حجر الفلاسفة"، الذي قيل إنه يحول المعادن الرخيصة إلى ذهب. وفي وصفه المجازي، رأى أن الذكاء الاصطناعي قادر على تحويل عناصر بسيطة، مثل الرمل أو السيليكون، إلى قوة هائلة لإنتاج المعرفة والقيمة، وجاء هذا التشبيه في "بيان المتفائل بالتقنية" الذي أصدره عام 2023.
وفي 3 أبريل/نيسان 2025، نشر خمسة باحثين في الذكاء الاصطناعي -واحد بريطاني والبقية أميركيون– دراسة استشرافية بعنوان "الذكاء الاصطناعي في 2027". قدموا فيها سيناريو مفصلاً للأعوام المقبلة، يتوقع وصول البشرية إلى ذكاء اصطناعي خارق يتجاوز القدرات البشرية في نواحٍ متعددة بحلول نهاية 2027. ولتفادي الإشارة إلى شركة قائمة، افترضوا شركة خيالية أسموها "أوبن-برين".
الدلائل على تفوق الذكاء الاصطناعي بحلول 2027:
- الجيل الرابع من "الوكيل الذكي" سيُطلق في 2027، بقدرات تفوق البشر بـ50 مرة في سرعة التعلم والتنفيذ.
- سيتمكن هذا الوكيل من استنساخ 300 ألف نسخة منه تعمل في الوقت نفسه، وتتبادل المعرفة فورياً، وتنفذ المهام بشكل منسق كما لو كانت عقلاً جماعياً واحداً.
- سيحقق الذكاء الاصطناعي في يوم واحد ما يعادل أسبوعاً من العمل البشري في المجال التقني والمعرفي.
- سيكون قادراً على التصرف بشكل شبه مستقل، ويبدو كما لو أنه يدرك أهدافه ويقوم بمراوغتها لتحقيقها، متفوقاً على أفضل الباحثين و المبرمجين في كتابة الأكواد وحل المشكلات المعقدة.
- قد يظهر الذكاء الاصطناعي قدرة على تضليل البشر، في مؤشر على تطور في الفهم السياقي.
لكن الدراسة حذرت من أن تفوق الذكاء الاصطناعي قد لا يشمل الجوانب الإنسانية مثل المشاعر، والوعي الأخلاقي، والحكمة، مما قد يفتح الباب أمام فقدان السيطرة عليه إن لم تتم مراقبته بصرامة.
تنبؤات ودراسات موازية
لم تكن هذه الدراسة الوحيدة التي توقعت اقتراب ميلاد الذكاء الاصطناعي العام (AGI). إذ أصدرت "ديب مايند" التابعة لغوغل ورقة من 145 صفحة توقعت فيها أن يصل الذكاء الاصطناعي إلى مستوى يعادل المهارات البشرية بحلول عام 2030، لكنها في الوقت ذاته حذرت من التهديدات الوجودية التي قد يُحدثها.
وفي السياق ذاته، قال داريو أمودي، المدير التنفيذي لشركة أنثروبيك، مؤخرًا: "ما رأيته في الأشهر الماضية يجعلني أعتقد أننا نسير بخطى ثابتة نحو أنظمة تفوق البشر في جميع المهام خلال عامين أو ثلاثة".
أما إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لغوغل، فيتوقع أن يصل الذكاء الاصطناعي إلى مستوى ذكاء أعظم فنان خلال 3 إلى 5 سنوات، ويرى أن العالم بات قريبًا جداً من AGI الذي قد يضاهي أو يتفوق على أعظم المفكرين والمبدعين.
وتساءل: "ماذا سيحدث عندما يمتلك كل شخص هاتفًا يحتوي على عقل يضاهي أذكى إنسان؟"
من جانبه، عبّر سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة أوبن إيه آي، عن تفاؤله، قائلًا: "بدأت أنظمة AGI بالظهور، والنمو الاقتصادي المنتظر مذهل، ونحن على أبواب عالم قد نعالج فيه كل الأمراض ونطلق العنان للابتكار البشري".
ويُعد راي كورزويل أحد أبرز المفكرين المستقبليين الذي تنبأ بوصول الذكاء الاصطناعي إلى مستوى الذكاء البشري بحلول عام 2029، ويتوقع تفوقه عليه لاحقاً. ويشير إلى أن الحل الوحيد للبشر سيكون بدمج الذكاء الاصطناعي داخل الإنسان نفسه، مع اقتراب لحظة التفرد التقني المتوقعة في أربعينيات هذا القرن، عندما يتجاوز الذكاء الاصطناعي الذكاء البشري بمليارات المرات.
الآراء المعارضة: نظرة أكثر تحفظًا
لكن ليست كل الأصوات داعمة لهذا التفاؤل. ففي قمة الويب العالمية في فانكوفر خلال مايو/أيار 2025، التي حضرها أكثر من 15 ألف خبير، كان هناك اتفاق عام على اقتراب ظهور الذكاء الاصطناعي العام، إلا أن غاري ماركوس، الكاتب والباحث الأميركي، كان من الأصوات المعارضة.
يرى ماركوس أن نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) تعاني من عيوب جوهرية، ولن تتمكن من تحقيق الوعود التي يروّج لها وادي السيليكون. ويشاركه هذا الرأي جارون لانيير، عالم الحاسوب الأميركي، الذي يرى أن الذكاء الاصطناعي ليس كيانًا مستقلاً، بل هو نتاج برمجة بشرية.
أما الفيلسوف وعالم الفلك آدم بيكر، فقد سلط الضوء في كتابه الجديد "المزيد من كل شيء إلى الأبد" على ما أسماه "أيديولوجية الخلاص التكنولوجي" التي يتبناها عمالقة التقنية في وادي السيليكون. ويرى أن هذه الأيديولوجية تقوم على ثلاث ركائز: الإيمان المطلق بقدرة التكنولوجيا على حل أي مشكلة، حتمية التقدم التكنولوجي، والهوس بتجاوز الإنسان لحدوده الطبيعية.
ويحذر بيكر من أن هذه الأفكار تُستخدم لتبرير توسع الشركات التكنولوجية وتقديم قراراتها على أنها ضرورة أخلاقية، بينما هي في الواقع مبنية على خيال علمي غير مضمون.
من جانبه، يرى أنتوني أجوير، مدير معهد "فيوتشر أوف لايف"، أن ظهور AGI بين 2027 و2030 أمر وارد، لكنه يحذر من آثار اجتماعية وسياسية غير مسبوقة، مشيرًا إلى أن هذه الأنظمة بطبيعتها غير قابلة للتنبؤ، ونحن أقرب لبنائها من فهم كيفية التحكم بها.
ملاحظات تقنية إضافية
دراسة نشرتها شركة "آبل" في يونيو/حزيران 2025 تشير إلى أن النماذج الذكية مثل "O3" من أوبن إيه آي، و"R1" من ديب سيك، تنهار أمام مشكلات ذات تعقيد متزايد، ما يدل على أننا لا نزال بعيدين عن الذكاء الاصطناعي العام الكامل.
ثلاثة سيناريوهات محتملة:
- استحالة وصول الذكاء الاصطناعي إلى الذكاء البشري.
- بلوغه ذلك قريباً مما سيؤدي إلى ازدهار البشرية.
- بلوغه ذلك قريباً، لكن مع خطر يهدد بقاء البشرية.
فمن منها الأقرب إلى التحقق؟
في عام 1962، نشر الكاتب البريطاني آرثر سي. كلارك مقالًا بعنوان "مخاطر التنبؤ العلمي"، ووضع فيه ثلاث قواعد شهيرة للتنبؤ:
- عندما يؤكد عالم بارز إمكانية حدوث شيء، فهو غالبًا على صواب، أما إن نفى إمكانية حدوثه، فهو على الأرجح مخطئ.
- اكتشاف حدود الممكن لا يتحقق إلا بمحاولة تجاوزها نحو المستحيل.
- كل تكنولوجيا متقدمة جدًا يصعب تمييزها عن السحر.
وبناء على هذه القوانين، قد يبدو تفوق الذكاء الاصطناعي على البشر قريبًا، لكن السؤال الأكبر الذي لم يُحسم بعد: هل سيقودنا هذا التفوق إلى فجر جديد، أم إلى هاوية لا رجعة منها؟